“إبريق الشاي” المغربي ليس مجرد وعاء لتقديم الشاي أو “آتاي” باللهجة المغربية، بل يشكل “مايسترو” خاصا لقيادة مختلف المحافل بما لها من دور وسط بين “الصينية” والكؤوس. مناسبات متنوعة وأزمنة وأماكن مختلفة.
كما يعتبر جزءا هاما من أساسيات المطبخ، ورمزا من رموز التراث المغربي. وقد حافظ الحرفيون على صناعته منذ دخول نبات «الشاي» إلى المغرب في القرن الثامن عشر -حسب ما اتفق عليه المؤرخون- إلى الآن، وقد أبدعوا في تزيينه بنقوش رائعة ودقيقة ورائعة.
محمد المأموني، حرفي من فاس، يحدثنا عن هذه الثلاجة. ورث الحرفة من محيطه منذ طفولته، منذ أن كان في السابعة من عمره، وتدرج فيها من تلميذ إلى صانع، إلى موزع أعمال إلى مشرف ثم تاجر. يقول لـ”سيدتي”:
“إبريق الشاي” كان مصنوعاً من الفضة الخالصة أو معدن مشابه لها، مع ملحقات أخرى مثل: “الربعائي”، وهي عبارة عن ثلاث أوعية، كل واحدة منها مخصصة لواحدة من مواد إعداد الشاي، فنجد السكر والنعناع ثم الشاي و”المجراج” وهو وعاء لغلي الماء. “البابور” عبارة عن موقد فحم… لتكوين طقم جميل يقدم في الهدايا وخاصة هدايا العروس… أو يمثل جزءا مهما من “المهود” أو “الدهاز” – أي العروس الجهاز: ما تجهزه من بيت والديها، وتحضره إلى بيتها. زوجها، وهذا يعتمد على وضعها الاجتماعي والاقتصادي، وهنا بالذات تظهر المستويات بين السهولة والبذخ والرفاهية، خاصة في مدينة مثل “فاس”.
طقوس الشاي
تحضير الشاي له طقوس خاصة. ويتم تحضيرها أمام أعين الحاضرين في المجلس من قبل شخص يتميز عادة بنظافته وقدرته الكبيرة ويدعى “الطبايلي” أو “الساقي”، الذي ينظم تسلسل مهام التحضير بمهارة… بدءاً من “التشيلة”، وهي غسل حبوب الشاي مرتين متتاليتين بكمية قليلة من الماء المغلي والتخلص منها. ، وصولاً إلى «التشريفة»، حيث يُملأ «إبريق الشاي» بالماء المغلي، ويضاف إليه السكر، ويوضع على نار هادئة، وعندما يصل إلى درجة الفوران؛ ويضاف إليه ورق النعناع، أو نباتات أخرى تسمى “الخلطات”، وهي عبارة عن خليط من الأعشاب الطبية والعطرية، مثل: “الشيبة، والعطرشة، والعبدي، والسالمية، وغيرها”. ”
مراحل “إبريق الشاي” المغربي
تمر صناعة «إبريق الشاي» بخمس مراحل مهمة، كما يوضح لنا المأموني:
الأول: “التدوير” الذي يتكون فيه “إبريق الشاي”، والثاني: “الزواق”، والثالث: “الكي”، والرابع: “البوليسج أو الصقل”، ثم الأخير: “التنقيط”، وهو في فضة؛ ليأخذ لونه الفضي المعتاد.
يأخذ ثلاثة أحجام: الأول هو “إبريق الشاي الصغير” الذي يتسع لكوبين، وهو غالبا الأكثر مبيعا في السوق، ويستخدم في المقاهي والمطاعم. ويأتي ثانيًا “إبريق الشاي المتوسط”، وهو مخصص للاستخدام المنزلي اليومي ويتسع لأربعة أكواب، ثم “إبريق الشاي الكبير” الذي يتسع لستة أكواب أو أكثر قليلاً. تحظى بشعبية كبيرة لدى منظمي الحفلات والمناسبات.
يستغرق صنع “إبريق الشاي” حوالي خمسة أيام. وبذلك تكون “الأطروحة” جاهزة للعرض.
ويؤكد المأموني أن «إبريق الشاي» بـ«صينيته» وفناجينه ليس مجرد وعاء لشرب الشاي، بل هو فرصة للحديث ومناقشة بعض المواضيع والاستمتاع والترفيه. كما أنه رمز للكرم والضيافة ولم شمل الأسرة وجلسات الحنين.
عائلات باراد
ويضيف المأموني قائلاً: للأسف كان للحرفة أعيانها كآل الهزاز وابن موسى وغيرهم.. ولكن بوفاتهم فقدنا لمسات ثقافية رائعة في هذا المجال.
بين الحنين إلى الماضي، والتطور الحتمي للمعيشة، والمنافسة الأجنبية القوية من الصين والهندوس على وجه الخصوص.
حافظ “إبريق الشاي” المغربي على مكانته وحضوره داخل المنازل، في مختلف المناسبات، وفي كل الأوقات، سواء في الصباح الباكر أو في المساء، أو في أوقات متأخرة من الليل (على الرغم من كونه منبها قويا)، كما أنه في كل مكان في الريف أو في المدينة. إنه وعاء الشرب الساحر للنخبة، والذي أصبح وعاء الشاي المغربي بامتياز.
شاي صحراوي
ولعل أشهر الأشخاص الذين يتنافسون في تحضير الشاي الأخضر هم أهل الصحراء في الجنوب الذين يتميزون بفن تحضير الشاي وحضوره الدائم في كل الأوقات. ويشتهرون بكلمة “نتيو” باللهجة الصحراوية الحسانية. لا يوجد منزل يخلو من أكواب الشاي التي تدور في أعلى الساعة كل ساعة. في “أباريق الشاي” المختلفة التي تقاوم حرارة النار.